أخبار محلية

قرارات تُولد في المكاتب… وتموت في الأسواق بقلم / مرسل الشبيبي

قرارات تُولد في المكاتب… وتموت في الأسواق
بقلم / مرسل الشبيبي
في ظل الإجراءات الأخيرة المتعلقة بالرسوم والآليات المالية في المنافذ اليمنية، بات واضحًا أن الفجوة بين القرار والواقع آخذة في الاتساع بشكل يهدد الحركة التجارية والاقتصادية.
ففي بيئة اقتصادية هشة، يصبح القرار الحكومي عنصرًا حساسًا يمكن أن ينهض بالسوق أو يدفعه نحو مزيد من التدهور. إلا أن ما نشهده اليوم هو نمط متكرر في صناعة القرار: قرارات تُبنى في غرف مغلقة، وتُرفع كمنجزات شكلية، ثم تُقرّ على مستوى الإدارة العليا بهدف “تحقيق المكافآت” وليس حل المشكلات. وحين تصل هذه القرارات إلى أرض الواقع، تبدأ الأزمة الحقيقية.
القرارات التي لا تستند إلى بيانات، ولا تعتمد على متخصصين، ولا تُدرس آثارها على السوق، تتحول إلى أعباء إضافية على اقتصاد متعب أصلًا. تُقرّ القرارات بسرعة، ثم تُفاجأ الجهات الرسمية بأن تنفيذها شبه مستحيل لأنها لم تُبنَ على فهم حقيقي لواقع السوق، ولا لحركة التجارة، ولا لشح السيولة التي يخنق كل القطاعات.
عند التطبيق، يصطدم القرار بالواقع الصلب: اعتراض التجار، اختناق السيولة، توقف الأنشطة، وارتفاع التكلفة التشغيلية. وبدل معالجة الخلل، تتجه الجهات الحكومية إلى تعديل القرار، وغالبًا يكون التعديل أسوأ من القرار الأول. وهكذا ندخل في سلسلة من الأخطاء الإدارية التي تُنتج حلولًا شكلية تزيد المشكلة تعقيدًا بدل حلّها.
وفي غياب الدراسات الاقتصادية الحقيقية، تصبح عملية إصدار القرارات أشبه بـ تجارب عشوائية تُصمَّم بعيدًا عن الواقع. قرارات يتم إعدادها في مكاتب مغلقة، أو – بمرارة السخرية – في “غرف القات”، وتُعدّل أيضًا في ذات الغرف، ثم تُفشل عند التطبيق لأنها لم ترافقها دراسة ولا فهم لمستوى تحمّل السوق.
والسؤال الذي يفرض نفسه:
هل يعقل أن صانعي القرارات لا يرون حجم الإغلاق اليومي للمحلات؟
ألا يلاحظون تزايد إفلاس الشركات وتوقف المصانع؟
أليسوا من يشاهد لوحة “للإيجار” و“للبيع” تتكرر في كل شارع كأنها لافتة وطنية جديدة؟
هل لا يشعرون بانخفاض الدخل وتدهور مستوى المعيشة وانتشار الفقر في كل بيت يمني؟
مظاهر الأزمة لم تعد بحاجة إلى دراسة مطوّلة، فهي واضحة في الشوارع، وفي حسابات التجار، وفي جيوب الناس. ومع ذلك تصدر قرارات لا يبدو أنها تنتمي لنفس البلد الذي يعيش فيه المواطن.
إن تجاهل السوق، وتغييب التجار، وتهميش المتخصصين، وتقديم المكافأة على المصلحة العامة، كلها عوامل تصنع قرارات مشوهة لا تصمد أمام أول اختبار حقيقي. والأسوأ أن آثارها لا يتضرر منها المسؤول الذي صادق عليها، بل التاجر، والمستثمر، والعامل، وكل أسرة تعتمد على سوق ينبض بالحركة.
لقد حان الوقت لإعادة النظر في منهجية صناعة القرار الاقتصادي. نحتاج إلى:
• دراسات جادة مبنية على بيانات،
• إشراك القطاع الخاص،
• الاستماع للخبراء،
• تقييم الأثر قبل إصدار القرار،
• وتحويل عملية اتخاذ القرار من “عمل مكتبي” إلى عملية واقعية تستجيب لنبض السوق.
فالاقتصاد لا ينهض بالقرارات التي تُكتب للحصول على مكافأة… بل بالقرارات التي تُكتب لتحمي السوق وتحفظ لقمة الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى