مهندس الاقتصاد وحارس العملة عشر سنين تحت النار وعملة لا ترتعش

مهندس الاقتصاد وحارس العملة عشر سنين تحت النار وعملة لا ترتعش
بقلم / غسان عبد الرحمن نعمان
في مواجهة حرب ضروس وحصار اقتصادي مضني تسلم – القائم بأعمال رئيس اللجنة الاقتصادية العليا و محافظ البنك المركزي اليمني هاشم اسماعيل المؤيد – مهمة شاقة اعترضها كثير من الصعاب والتوقعات التشاؤمية بانهيار الاقتصاد اليمني. فقد حول البنك المركزي والعملة الوطنية إلى ساحة حرب بنهاية 2016 في ظل قصف للمدن وحصار للمعابر وقطيعة مالية. وكان العدوان يراهن على انهيار الاقتصاد اليمني بسرعة، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك. إذ فشل المخطط العدواني في إسقاط العملة أو اقتصاد البلاد ، فبرغم الخسائر الجسيمة التي تكبدها الاقتصاد خلال الحرب، ظلت مؤسساته القائمة وإيراداته المحدودة متماسكة وصامدة. لقد تعامل ) مهندس الاقتصاد انف الذكر ( مع هذه الضغوط برؤية واقعية ومسؤلية عالية ، فتمكن من تجاوز سيناريو الانهيار المتوقع، وهو ما أكدته تحليلات رسمية وغير رسمية اشارت إلى أن الاقتصاد تماسك وصمد أمام كافة مخططات العدوان ومؤامراته ».
فصل العملة وتحصين مناطق السيطرة :
في الوقت الذي بدأت السياسة النقدية بالتخبط في مناطق ما يسمون انفسهم بالشرعية وبدأوا بطباعة عملة جديدة بدون اي غطاء ، بدأ التضخم وبدأت العملة تفقد قيمتها امام الدولار ، في المقابل سرعان ما بدأ مهندس الاقتصاد باتخاذ الاجراءات الحاسمة بمنع انتقال العملة الجديدة المطبوعة في عدن المناطق الجنوبية إلى المناطق الحرة . فقد أصدرت صنعاء قرارًا في ديسمبر 2019 يمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية الجديدة الصادرة عن البنك المركزي في عدن. وأوضحت الجهات الرسمية أن ذلك يهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني من أضرار ضخ العملة المطبوعة بدون اي غطاء . بفضل هذه الإجراءات، اقتصر تداول العملة المطبوعة حديثا على مساحة جغرافية محدودة في الجنوب، مما جنب المناطق الشمالية آثار التضخم الشديد الذي عانت منه بقية البلاد. ووفقًا لرصد اقتصادي، ساهم وقف التعامل بالعملة المطبوعة بحد تداولها في جنوب البلاد، فحقق الاقتصاد اليمني أول تعاف طفيف في عام 2019 بنسبة 1.6% بعد سنوات من الانكماش.
في المقابل، لم يلجأ محافظ البنك المركزي بصنعاء إلى طباعة كميات ضخمة من العملة تسهل عليه مواجهة الظروف المحيطة بل كان حريصا على تجنب سياسات التضخم السريعة التي اعتمدتها الحكومة في عدن رغم أن أي مسؤول آخر قد يكون له عذره في القيام بذلك. لكن ثبت أن التهدئة النقدية والحذر من ضخ السيولة بلا غطاء كانا مفتاحا للحفاظ على قيمة العملة في صنعاء
استقرار الصرف في صنعاء مقابل انهيار في مناطق حكومة عدن :
نجح الشاب هاشم اسماعيل المؤيد في الحفاظ على استقرار صرف الريال بالنسبة للدولار الأمريكي داخل مناطق نفوذه . فقد ظل سعر الصرف مقاربا لمستويات متدنية نسبيًا حول 530 ريال للدولار) طوال السنوات الماضية، رغم أن العملة اليمنية انهارت في مناطق الجنوب. فبحلول عام 2021 وصل سعر الدولار إلى نحو 1270 ريالاً في عدن ، وقد تجاوز في أواخر 2024 مستوى 2000 ريال للدولار .
الى ان وصل مؤخرا الى ( 2899) للدولار الامريكي وهو ما يقرب من ستة أضعاف مقارنة قبل الحرب أما في مناطق حكومة صنعاء، فقد ظل الريال مستقراً بفضل نظام صرف ثابت وسياسات نقدية صارمة.
الأهم من ذلك أن هذه السياسة الذكية لم تؤثر سلباً على المواطنين المتنقلين بين الشمال والجنوب. فبفضل حظر تداول العملة المطبوعة في صنعاء، بقيت قوة شراء الريال في مناطق صنعاء مستقرة ، وبالتالي لم تتأثر معادلة الأسعار . باختصار، نجحت هذه الآلية في حفظ قيمة العملة المحلية .
تبديل نقدي مدروس بلا تبعات تضخمية
جهز الشاب العبقري عملة جديدة واشرف على عملية استبدال النقود التالفة بعملات جديدة ورقية ومعدنية دون التسبب بأي ضغوط تضخمية على الاقتصاد. ففي إطار حل أزمة تشوه الأوراق النقدية القديمة أصدر البنك المركزي صنعاء عملة معدنية وورقية الهدف منها معالجة التالف . وأوضح بيان رسمي أن هذه الخطوة جاءت ضمن إيجاد حلول لمشكلة الأوراق النقدية التالفة مع تعزيز جودة النقد الوطني»، مؤكدًا أنها لن تترتب عليها أي زيادة في الكتلة النقدية أو أي تأثير على أسعار الصرف. وفي الواقع، أجمع الخبراء الاقتصاديون على أن هذه الإجراءات ليس لها أي أثر تضخمي على صرف العملة في أماكن سيطرة انصار الله » لأنها اقتصرت على تبديل الأوراق التالفة بعملات صالحة دون ضخ أموال إضافية في السوق. وهكذا، استطاع البنك المركزي في صنعاء أن يجرى عملية التحديث النقدي الكاملة ورقية ومعدنية) بنجاحودون هز ثقة المواطنين في العملة، وهو إنجاز قل مثله في ظروف الحروب .
والمضحك المبكي ان محافظ ما يسمون انفسهم بالشرعية كان قبل شهر من هذه العملية كان ينتقد حكومة صنعاء بأن عملتها تهالكت وانتهت ولم تعد صالحة للاستخدام ويحمل حكومة صنعاء مسؤولية عدم السماحلعملتهم المطبوعة بالدخول الى صنعاء بدلا عن التالفة ذارف دموع التماسيح على المواطن في صنعاء رغم علمه بالسم الزعاف الذي سيجرعه للمواطن من تضخم وزيادة اسعار لو تم ذلك ، وعندما تم تبديل التالف بما وفره مركزي صنعاء دون ان يحدث تضخم أو فقد العلمة لقيمتها امام الدولار ، اطل علينا محافظ عدن بدون خجل يولول مجيش المجتمع الدولي بأن ذلك مخالف للقانون .
خاتمة : عبقرية إدارية واستراتيجية نقدية :
لقد أثبت القائم بأعمال رئيس اللجنة الاقتصادية العليا محافظ البنك المركزي بصنعاء خلال السنوات العشر الماضية أنه قائد اقتصادي استثنائي يعمل بهدوء وبتواضع جم و في الظل بعيدا عن الاضواء.
فرغم الظروف القاسية والحصار المشدد على جميع الحدود والموانئ، استطاع بحنكة قل نظيرها أن يحافظ على تماسك الأسواق في صنعاء وقوة العملة اليمنية فيها. فقد واجه بشجاعة الصعوبة المستعصية» التي برزت عند استلامه المسؤولية، من خلال سياسات نقدية دقيقة تفادى فيها وهم السيولة الفارغة»، وأبقى الريال اليمني قوياً وثابتاً في صنعاء مقارنة بانهياره لدى من لا يوجد لديهم حصار بل ويتلقون الدعم والودائع من اسيادهم . إن هذا النجاح في ضبط السياسة النقدية وإدارة الأزمة الاقتصادية يُعزى إلى قيادته الاستثنائية وعزيمته الصلبة، ويمثل نموذجًا نادرًا من الحكمة الاقتصادية في أحلك مراحل البلاد . فقد كان المحافظ مثالاً صارخًا على قدرة القيادة الوطنية الصامدة في اليمن على مواجهة الأزمات وحماية مقومات الشعب محافظا على وحدة الاقتصاد وتماسكه رغم كل التحديات.
المصادر: تقارير رسمية وإخبارية