..محمود بديه يكتب عن المختطفين لدۑ الانتقالي.. أين زكريا?
محمود بديه يكتب عن المختطفين لدۑ الانتقالي.. أين زكريا?
مقال
بقلم/ الدكتور محمود بدية
كانت الساعة تشير إلى بزوغ الفجر عندما نزل زكريا من منزله كعادته للصلاة في مسجد الفرقان بالمعلا. كانت تلك اللحظة التي انقلبت فيها حياته رأسًا على عقب، بل انقلبت معها حياة كل من عرفوه وأحبوه. 1800 يوم مرت منذ أن اختطف زكريا، الأستاذ المتعلم الخلوق، الذي لم يكن يحمل سوى قلب طيب وإيمان عميق بالعلم والسلام.
زكريا لم يكن جنديًا في ساحة المعركة، ولم يكن يقف في وجه من يحمل السلاح، بل كان إنسانًا مدنيًا مسالمًا، يحمل في طياته حبًا للوطن والناس. كان يحمل الكتاب بدلًا من السلاح، وكان سلاحه الوحيد هو كلماته التي بثت الأمل في قلوب طلابه، وأفعاله التي غمرت أسرته وأصدقائه بالحب والدعم.
لكن في عالم اليوم، تبدو هذه الصفات سلاحًا قد يكون أقوى من كل سلاح، لأنها تجسد روح الإنسانية والمبادئ التي لا تعرف الخوف. ولهذا كان زكريا هدفًا سهلًا لأولئك الذين يرون في الإنسانية تهديدًا، ويرون في المعرفة سلاحًا يجب أن يُسكت.
1800 يوم من القهر والقلق والحيرة عاشتها أسرة زكريا، أبناؤه الذين فقدوا والدهم، والدته التي انكسرت روحها من شدة الهم، إخوته الذين لم يعدوا يشعرون بالأمان، وأصدقائه الذين لم يتوقفوا عن التساؤل: أين زكريا؟
لقد انتظروا العدالة، انتظروا الحقيقة، لكن الأيام تمرّ كأنها تقتلع من أرواحهم شيئًا فشيئًا. هل من المنصف أن تظل قضية زكريا طي النسيان؟ هل من العدل أن يبقى مصيره مجهولًا؟ زكريا، الرجل الذي كان يحلم بأن يغير حياة الآخرين نحو الأفضل، هل يستحق أن يُعامل بهذه القسوة؟
عندما ننظر إلى ما حدث لعشال وغيره من المختطفين والمخفيين قسرًا، نسأل أنفسنا: أين هي الوقفة الجادة؟ أين هي المليونيات التي نراها لأجل الحقوق والكرامة؟ أليس زكريا يستحق أن يُنادى بحريته؟ أليس هو وأمثاله يستحقون أن يُستعادوا من براثن الظلام والاختفاء؟
إنها ليست قضية فردية، بل هي قضية الإنسانية جمعاء. هي قضية الحياة الكريمة، وحق كل إنسان في أن يعيش حرًا دون خوف. زكريا ليس مجرد اسم، بل هو رمز للمعلم، للأب، للصديق الذي يجب أن يكون بيننا الآن، نحتفل بحياته وإنجازاته بدلًا من أن نعيش في ظلام غيابه.
اليوم، نحن مدعوون لرفع صوتنا لأجل زكريا، لأجل عشال، ولأجل كل من تم اختطافهم وإخفاؤهم قسرًا. نحن مدعوون لأن نكون صوت العدالة، لأن نطالب بحقهم في الحياة، في الحرية، وفي أن يعودوا إلى أحضان أسرهم وأحبائهم.
الحرية لزكريا وعشال وكل المختطفين والمخفيين قسريًا الحرية لكل إنسان يستحق أن يعيش بكرامة وعدالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــ